الكاتب احمد محمدالمدير
{فِيهَا}؛ أي : في هذه الصحف {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} كتب: أي مكتوبات. قيمة، فكتب جمع كتاب، بمعنى مكتوب، والمعنى أن في هذه الصحف مكتوبات قيمة كتبها الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا تصفح القرآن وجده كذلك، إذ وجد أنه يتضمن كتباً أي مكتوبات قيمة، انظر إلى ما جاء به القرآن من توحيد الله عز وجل، والثناء عليه، وحمده وتسبيحه تجده مملوءاً بذلك، انظر إلى ما في القرآن من وصف النبي ﷺ ووصف أصحابه المهاجرين والأنصار ووصف التابعين لهم بإحسان، انظر إلى ما جاء به القرآن من الأمر بالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغير ذلك من الأخلاق الفاضلة تجد أن كل ما جاء به القرآن فهو قيم بنفسه، وكذلك هو مقيم لغيره {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ}
إذاً أخبر الله في هذه الآية أنه لا يمكن أن ينفك هؤلاء الكفار من أهل الكتاب والمشركين حتى تأتيهم البينة، فلما جاءتهم البينة هل انفكوا عن دينهم؟ عن كفرهم وشركهم؟
ققال الله تعالى
*{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}*
يعني : لما جاءتهم البينة اختلفوا، فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، فمن النصارى من آمن مثل النجاشي ملك الحبشة، ومن اليهود من آمن أيضاً مثل عبد الله بن سلام ـ رضي الله عنه ـ فمنهم من آمن، ومنهم من كفر، فمن علم الله منه أنه يريد الخير، ويريد الدين لله آمن ووفق للإيمان، ومن لم يكن كذلك وفق للكفر، كذلك أيضاً من المشركين من آمن، وما أكثر المشركين من قريش الذين آمنوا، فصار الناس قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام لم يزالوا على ما هم عليه من الكفر حتى جاءتهم البينة، ثم لما جاءتهم البينة تفرقوا واختلفوا كما قال تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
*{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}*
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} أي : أن الناس لم يؤمروا بشيء يتعلق بأمور الدنيا أو بشيء يكلفهم بل هو بشيء سهل عليهم وهو عبادة الله عز وجل، {لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} فما هي العبادة؟ العبادة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: التعبد، فيقال هذا الرجل تعبد لله عبادة.
والمعنى الثاني: المتعبد به، فيقال الصلاة عبادة، والزكاة عبادة، والصوم عبادة، وهكذا.
فعلى المعنى الأول يكون معنى العبادة تذلل العبد لربه عز وجل محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
وعلى المعنى الثاني أن العبادة هي المتعبد به يكون معناها ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله إنها اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال و الأعمال
فالصلاة عبادة و الطهارة عبادة والزكاة عبادة والصوم عبادة والحج عبادة وبر الوالدين عبادة وصلة الأرحام عبادة، وكل عمل يقرب إلى الله تعالى فإنه عبادة، لكن الله سبحانه وتعالى ذكر أن هذا الأمر مقرون بشيئين
الأول : الإخلاص لله تعالى، أي : أن يقصد بعبادته وجه الله تعالى والدار الآخرة.
الثاني : الاتباع، يعني : اتباع شريعة الله
______________________
* من تفسير جزء عم للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى ص ٣٢٣*