الكاتب - محمد بن منصور
لفتتني صورة لجندي سعودي يقدم التحية لحاج أثناء أدائه لمناسك الحج، مما أعادني إلى فكرة قديمة تُعاد كلما اقترب موسم الحج، وهي أضحوكة تدويل الحرمين. لذا، أود أن أوجه رسالة إلى من يتحدثون عن هذا الأمر، فأقول، أدعوكم يا سادة إلى التفكر بعمق في قيم المجتمع السعودي، تلك القيم المتجذرة التي تعكس روح أهل الحرمين، والتي لا يمكن تقليدها أو استنساخها. هذه القيم ليست مجرد موروث، بل تعبر عن وجود روحي يربط الإنسان بالمكان المقدس. فالحج ليس مجرد طقس ميكانيكي يُختزل في عملية تنظيمه، بل هو سيمفونية أخلاقية تحتاج إلى نفوس نقية، محملة بنبل المكان وروحه. هذه النفوس، المتمثلة في أهل الحرمين، هي الوحيدة القادرة على إدارة هذا المكان بما يتناسب مع قدسيته. كذلك الحج لا يكتمل بمجرد استحضار القيم، بل يتطلب أيضا قيادة راشدة وحكيمة، متجذرة في عمق هذه القيم، ليست غريبة أو طارئة على المكان، بل وأكثر من ذلك تستمد شرعيتها من حاضنتها الشعبية والمكانية، ومن خدمة الحرمين الشريفين، وهذا لا ينطبق نهائيا على أي سلطة أخرى على وجه هذه البسيطة سواها، هذه القيادة ليست مجرد سلطة إدارية، بل هي أمانة وجودية، تحمل مسؤولية الحفاظ على قدسية المكان وروحانيته، وضمان أن يظل الحج تجربةً إنسانيةً وإيمانية عميقة، وهذا الأمر ليس عشوائيا، بل هو اختيار إلـٰهي لمن يتولى الحفاظ على مقدساته، ويدير شؤونها.
فكيف يمكنكم المطالبة بتدويل الحج دون فهم العمق الحقيقي لهذا الموضوع؟
فالحج يشبه الروح والجسد اللذين لن ينفصلا إلا عند الموت، فهل يمكن فصل إدارة المقدسات بمعزل عن أولئك الذين اختارهم الله بجوارها، وعن قيمهم التي استمدت من قدسيتها، وعن السلطة التي منحها الله إدارتها وسهل بقاءها. إن الحديث عن تدويل الحرمين دون فهم هذا الجوهر، يشبه محاولة تغير مجرى نهرٍ دون مائه. القيم السعودية والقيادة الراشدة وحدهما هما النبض الذي يحيي الحج، ويجعله تجربةً إنسانيةً فريدة بعيدة عن البدع واستثمارها لحسابات حراس الأضرحة والخرافة.
وأخيرا إذا كنتم ترغبون في نقاش حقيقي بعيدا عن المكايدات، فعليكم أولا أن تتسلحوا بالعدالة والنزاهة النفسية، بعيدا عن الخلط بين دهاليز السياسة وشعائر الله، وتأملوا في سرّ العلاقة بين المكان، أهله، وقيادته. وإن لم تدركوا هذا السر، فيكفينا أنكم تعلمون في قرارة أنفسكم أنكم عاجزون عن القيام بهذا الشرف، لأسباب كثيرة تعلموناها، ولعل أهمها أن الله لم يختاركم أصلا لتلك المهمة، فهو -سبحانه- يعلم أن يضع آياته.