الكاتب ـ ا.د محمد احمد بصنوي
أثارت إجابة افتراضية لأحد نماذج الذكاء الإصطناعي حول كيفية "تدمير عقول الأجيال الجديدة لو كان شيطانًا" صدمة ورعبًا حقيقيين على مواقع التواصل الإجتماعي، حيث كانت الإجابة: "لو كنت شيطانًا لما أتيت بالعنف، بل سألاحقهم بالراحة والسهولة، لأعطيهم كل ما أرادوا، واجعلهم يشعرون بأنهم متصلون، لكنهم في الحقيقة وحيدون تماماً، تلهيهم المتع بلا انقطاع، لكن قلوبهم جوفاء، كنت سأطمس الحدود بين الحقيقة والرأي، حتى لا يعود لشيءٍ معنى، كنت سأعلمهم أن يلهثوا وراء الدوبامين وليس الغايات والأهداف، لن أدمرهم بالحرب، بل سأدمرهم باللامبالاة، سأبقيهم مُشتتين مُخدرين يتصفحون هواتفهم دوماً، سأفكك الأسرة بإعادة تعريفها، سأجعل وجود الآباء خيار، والأمهات منكهات، والأطفال تائهين، أضع الهاتف في أيديهم قبل أن يتمكنوا من نطق جملة كاملة، وسأشاهد عقولهم تتعفن ببطء، بأريحيه، بصمت والجزء الأكثر براعة، أنهم لن يعرفوا أبداً أنني كنت السبب لأنهم سيسمون ذلك "حرية".
هذه "الوصفة الشيطانية" تثير تساؤلات مقلقة حول الدور المُتزايد للذكاء الإصطناعي في تشكيل مستقبل أطفالنا وعقولهم، فلم تكن الصدمة نابعة من فكرة الشر نفسه، بقدر الصدمة من الآليات المقترحة للسيطرة على عقول الأجيال الجديدة، حيث رسم صورة قاتمة وصاعقة للسيطرة الناعمة على الأجيال الجديدة، عن طريق إغراق الشباب بالراحة، وتلبية رغباتهم بشكل مفرط، وتوفير اتصال زائف، وطمس الحقائق، وهذا تماما (مانعيشه ونلمسه منذ سنين مع ظهور الجوال والنت) وهذا ممايعني ويثبت أن مانحن عليه وابنائنا تدبير شيطاني من عقول الظل التي لاغرض لها الا تدمير واستعباد البشرية
فحماية مستقبل أطفالنا يتطلب منا فهم حقيقة هذه المخاطر، وتعزيز التفكير النقدي لدى أطفالنا، ووضع ضوابط أخلاقية وقانونية لتطوير الذكاء الإصطناعي، والأهم من ذلك، تعزيز العلاقات الإنسانية الحقيقية والقيم العربية والإسلامية الأصيلة، في عالم يزداد فيه الإعتماد على الآلات الذكية، فمعركة المستقبل الحقيقية ستكون على عقول وقلوب الأجيال الجديدة.
في خضم هذا الواقع الرقمي المتشابك، يصبح التأكيد على أن "الحرية" الحقيقية تكمن في التحكم الواعي في استخدام هذه الأدوات، فعلى الجيل الجديد أن يدرك أن هذه التقنيات، على الرغم من فوائدها الظاهرة، تحمل في طياتها إمكانية التلاعب والتوجيه غير الملحوظ،
فالحرية الحقيقية تكمن في القدرة على الإختيار الواعي لكيفية قضاء الوقت، ونوعية المعلومات التي نستهلكها، وعمق العلاقات التي نبنيها بيننا.
التساؤل الذي يفرض نفسه الأن هو: كيف تشكل مواقع الذكاء الإصطناعي وعي وفكر وسلوك الجيل الجديد؟ الإجابة تكمن في فهم آلية عمل هذه المنصات أو المواقع، وكيف تقدم محتوى سهل الإستهلاك ومُرضيًا بصورة فورية، فهناك خوارزميات مُعقدة تعمل على مدار الساعة لتلبية رغبات المستخدمين، وتقديم جرعات متتالية من الترفيه والمعلومات التي لا تتطلب جهدًا ذهنيًا كبيرًا، وهذا التدفق المستمر للمحتوى "المريح" له ثمن باهظ، يتجلى ويظهر بوضوح في تآكل قدرة الجيل الجديد على التركيز العميق والتفكير النقدي، والصبر الضروري لمواجهة التحديات، والمثابرة اللازمة لتحقيق الأهداف طويلة الأمد.
ولكن السؤال الأهم: هل هذه الخوارزميات تعمل بصورة تلقائية بحتة؟، أما أن هناك توجيهًا وتخطيطًا من قبل لوبي ما أوما يُسمى بجماعة الظل بهدف إعادة هندسة القرار العالمي، من خلال التحكم في فكر الأجيال المقبلة، وجعلهم مثل المسخ، لا يُفكرون، وغير قادرين على التعبير عن أفكارهم ، فلماذا بذل الجهد، وبضغطة زر واحدة ، تحصل على أي معلومة أو رأي أو إجابة بدون أي عناء، كل شيء مُتاح وسهل المنال، مما يضعف ملكة الفضول والإستكشاف الذاتي، ويجعلهم أكثر عرضة للتصديق الأعمى لأي معلومة أو رأي يُعرض عليهم.
الأخطر من ذلك هو مساهمة هذه المواقع في تنامي "اللامبالاة" بصورة مُخططة، تجاه القضايا المجتمعية والعالم الحقيقي، والإنغماس المتزايد في العوالم الرقمية الإفتراضية، وما تقدمه من تفاعلات سطحية وشعور زائف بالإنتماء، وهذا من شأنه أن يخلق فجوة بين الشباب وبين واقعهم الملموس، ويصبح العالم الحقيقي، بكل تعقيداته وتحدياته، أقل جاذبية وأكثر إرهاقًا مقارنة بالراحة والتحكم الذي توفره الشاشة الصغيرة، مما يُقلل الإهتمام بالقضايا التي تتطلب جهدًا وتفكيرًا عميقًا، ليحل محلها متابعة التريندات السطحية والنجوم الرقميين.
للأسف الشديد، إذا لم نستيقظ قبل فوات الأوان، فقد نشهد جيلاً جديدًا خارج نطاق الخدمة، لا يُفكر، مُنساق وراء ما يُقال له عبر مواقع الذكاء الصناعي، بالإضافة لانتشار ظواهر جديدة لا تنتمي إلى ثقافة مجتمعنا وهذا ما تحدثنا عنه في عدة مقالات سابقة مثل :هل الذكاء الصناعي يهدد وجودنا؟، والذكاء الصناعي ثورة أم تهديد.
وأخيرًا ، وليس آخرًا، فإن "شيطان" العصر الرقمي لا يظهر بأبواق ونيران، بل يرتدي قناعًا جذابًا من الراحة والسهولة والتواصل الزائف، ومواجهته لا تكمن في رفض التقنية بشكل كامل، بل في تطوير وعي نقدي يمكّننا من استخدام مثل هذه المواقع بحكمة وتبصر، حتى لا يسيطر على الأجيال الجديدة بصورة غير مباشرة، وتُسلب جوهر إنسانيتنا ببطء وهدوء، تحت ستار "الحرية"