الكاتب - أ.د محمد احمد بصنوي
أعزائي القراء:
بعد غيابٍ عن الكتابة لفترة ليست قصيرة، أعود إليكم اليوم، وأنا أحمل معي مشاعر الفخر والإعتزاز بوطننا الحبيب في ذكرى يوم التأسيس، فرغم انقطاعي عن الكتابة لعدة أشهر بسبب وعكة صحية، إلا أن محبتي لكم ولوطني لم تنقطع لحظة واحدة، واليوم يُسعدني أن أشارككم مقالاً عن هذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعاً.
تحتفل بلادنا كل عام في 22 فبراير بيوم التأسيس الذي يُذكرنا بتاريخ المملكة، والإحتفاء بإرث الدولة السعودية الأولى التي تأسست قبل ثلاثة قرون، وبالتحديد في عام 1727 ميلادية على يد الإمام محمد بن سعود، فالمملكة واحدة من الدول التي نشأت وتشكلت في العصر الحديث، واستطاعت في مدة زمنية قصيرة بفضل أسرة آل سعود، أن تصبح من أهم الدول على المستوى العربي والإقليمي والإسلامي والعالمي، وذلك لأهميتها الدينية، والإستراتيجية، والاقتصادية، وكل هذه الأسباب جعلت المملكة منارة للإنجازات على مر العصور..
يوم التأسيس ليس مجرد يومًا للإحتفالات مثلما يعتقد البعض، بل مناسبة للتعبير عن الفخر والإعتزاز بما وصلت إليه المملكة من تطور وازدهار في مختلف المجالات، واستحضار تضحيات الآباء والأجداد الذين أسهموا في بناء هذا الوطن العظيم، والتأكيد على مواصلة المسيرة نحو تحقيق المزيد من الإنجاز، وتعزيز الهوية الوطنية والإنتماء، و نشر الوعي بالتاريخ الوطني بين الأجيال الجديدة، وتعزيز التلاحم بين مختلف مناطق المملكة، فهو يوم للتأمل في الماضي، والتخطيط للمستقبل، ومواصلة المسيرة نحو تحقيق المزيد من التقدم والإزدهار، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمير الأمين محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود.
استطاعت المملكة تحقيق العديد من الإنجازات في كافة المجالات خلال السنوات الأخيرة، فعلى الصعيد الإقتصادي حقق القطاع غير النفطي قفزة كبيرة منذ اطلاق رؤية 2030 حيث شهدت الإيرادات غير النفطية نموًا مذهلاً بنسبة تصل إلى 175%، لتصل لـ 457.8 مليار ريال بحلول نهاية عام 2023، وفقًا لما هو منشور في جريد المال، والمستهدف رفع مستويات الناتج غير النفطي لـ 75% من حجم الإقتصاد الكلي بحلول عام 2030، وفي هذا الإطار ارتفعت قيمة الإستثمارات الأجنبية الإجمالية داخل الإقتصاد السعودي لـ 2790.7 مليار ريال بنهاية الربع الثالث 2024، بنسبة ارتفاع قدرها 19% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023، وذلك وفقا لآخر البيانات الصادرة عن البنك المركزي السعودي "ساما".
وشهد قطاع التعليم تطوراً كبيراً، حيث ارتفع عدد الجامعات السعودية لـ 30 جامعة حكومية، و12 جامعة أهلية وخاصة، بإجمالي 42 جامعة، بالإضافة إلى ما يقارب 13 كلية حكومية وخاصة وأهلية، و7 كليات عسكرية، وحققت الجامعات السعودية في مارس 2023م نتائج متقدمة في تصنيف "QS 2023" الـعالمي لـلـتخصصات الجامعية، بإدراج 15 جامعة حكومية لتنافس الجامعات العالمية، مقارنةً بـ14 جامعة سعودية في تصنيف 2022، كما حققت المملكة المرتبة الأولى عالمياً في نسبة الطلبة الملتحقين بالتعليم ما بعد الثانوي غير الجامعي في برامج مهنية وتقنية، وذلك حسب "مؤشِّر المعرفة العالمي 2022"، وانخفضت نسبة الأمية الأبجدية بالمملكة لـ 3.7 %..
أما الصعيد السياسي، فقد تحولت المملكة لرقم صعب في صناعة القرار العالمي، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة، بل بسبب حنكة الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان حفظهما الله، وهذا الأمر واضح من احتضان الرياض قمة تاريخية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للتفاوض حول وقف الحرب في أوكرانيا، بدلاً من أن تتحول لحرب عالمية ثالثة تأكل الأخضر واليابس، وهذا دليل على تعاظم دوبلوماسية المملكة حول العالم، وتأثيرها في صياغة المشهد الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى عقد الكثير من القمم العربية والإسلامية والدولية، وتشكيل التحالف الإسلامي العسكري بدعوة من المملكة العربية السعودية، والذي يُعدّ من أكبر التحالفات العسكرية في العالم، حيث يضم هذا التحالف 41 دولة إسلامية حول العالم، ويهدف إلى محاربة الإرهاب من كل النواحي الفكرية والعسكرية والمالية.
.
أما على الصعيد الإنساني، فقد حقق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية جائزة الإنجاز الإنساني العالمي المقدمة من المجلس الوطني للعلاقات الأميركية العربية للمركز نظير أعماله الإغاثية ، حيث بلغ إجمالي مساعدات المملكة المقدمة عبر جهاتها المانحة لـ "الدول الأشد احتياجاً" المسجلة في منصة "المساعدات السعودية" التي تبرز جهود السعودية دولياً وتحفظ حقوقها في العطاء نحو 129 مليار دولار، بواقع 483.75 مليار ريال، إذ تشمل المساعدات المساهمات النقدية والعينية المقدمة على شكل منح إنسانية، وخيرية، وقروض ميسرة، وتعد سوريا وفلسطين من أكثر الدول حصولاً على هذه المساعدات، حيث استفادت الجمهورية السورية من المساعدات المالية السعودية بنحو 7،332 مليار دولار، فيما قُدمت مساعدات إنسانية وتنموية لـ "فلسطين" بـ 5,258 مليار دولار، وما زال نهر عطاء المملكة مُستمر . .
وأخيرًا وليس آخر، فقد استطاعت المملكة العربية السعودية أن تُسطر بأحرف من نور تاريخًا وحاضرًا ومستقبلاً بين سائر الأمم، واستطاعت أن تحول حلم التنمية الذي كان يعتقد البعض أنه بعيد المنال، إلى حقيقية مثلما ذكرنا في مقال "الحلم أصبح حقيقة"، ومقال "قصة وطن صنع المستحيل"، بل لم تدخر ثروتها على نفسها فقط ، وساعدت الدول الأشد فقرًا واحتياجًا مثلما ذكرنا في مقال "مملكة الإنسانية"، وبذلك تقدم المملكة نموذجًا فريدًا في التنمية والتقدم والإزدهار في العالم.