المملكة تُعيد رسم خريطة التكامل الإقتصادي مع العراق الشقيقة .
يشهد التعاون بين المملكة العربية السعودية والعراق زخمًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، وهذا الأمر يظهر جليًا في القطاع الإقتصادي، حيث ظهرت فكرة إنشاء منطقة حرة في مدينة عرعر الواقعة شمال المملكة، على أن تكون المنطقة غير خاضعة للضرائب أو الرسوم، ولا تطبق تأشيرات الدخول، بهدف خدمة الإستثمار في البلدين.
تُقدم المنطقة الحرة المشتركة بين السعودية والعراق فوائدَ اقتصادية ضخمة لكلا البلدين، منها على سبيل المثال لا الحصر منها: زيادة التبادل التجاري، حيث تُشكل المنطقة خطوةً مهمةً نحو تعزيز التكامل الإقتصادي الإقليمي، خلاف إزالة الحواجز التجارية بين البلدين، ممّا يُتيح تدفقًا أسهل للسلع والخدمات، وإقامةِ مشاريع جديدة، وخلق فرص عملٍ وفيرة للشباب في كلا البلدين، حيث ستجذب المنطقة الشركات والمؤسسات من مختلف أنحاء العالم، مما سيُؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة، ومن المتوقع أن توفر المنطقة الحرة في البداية 100 فرصة استثمارية جديدة بقيمة 20 مليار ريال سعودي أي ما يوازي5.3 مليارات دولار، بخلاف الفرص القائمة التي تقدر قيمتها بـ80 مليار ريال أي ما يوازي 21.3 مليار دولار، وفقًا لوزير الإستثمار السعودي خالد الفاتح.
إنشاء المنطقة الحرة، يأتي كرد فعل للتطور المتزايد في العلاقات الإقتصادية والتجارية، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري 1.5 مليار دولار لعام 2022 بنسبة ارتفاع 50% مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن تبلغ مساحة المنطقة الحرة نحو 200 كيلومتر مربع، وتضم قطاعات متنوعة، مثل الصناعة والتعدين والتجارة واللوجستيات والسياحة، وتكلفة إقامة المنطقة الإقتصادية الحرة بين البلدين يقدر بـ 10 مليارات دولار .
وترجع أهمية المنطقة الحرة على الحدود الشمالية السعودية، ليس في تعزيز التبادل التجاري بين بغداد والرياض وما سبق ذكره من فوائد فقط، ولكن القصة أكبر من ذلك بكثير ، حيث تضم هذه المنطقة 25% من الثروة التعدينية في المملكة بقيمة إجمالية 1.2 تريليون ريال (320 مليار دولار)، ونحو 7% من مخزون الفوسفات العالمي ، حسب تصريحات نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين السعودي خالد المديفر، خلاف أن هذه المنطقة تعتبر ممرًا دولياً لحركة التجارة والنقل عبر 3 محاور : الأول عبر العراق ثم دول شرق آسيا ، والثاني عن طريق الأردن وسوريا ثم تركيا وقارة أوروبا ، والثالث إلى دول الخليج العربي، ومن ثم فإن إقامة المنطقة الإقتصادية الحرة، سيكون خطوة نحو تنمية شاملة، وتعزيز الإستثمار بآفاق أوسع، خاصة وأن هذه المنطقة قادرة على أن تكون مُحرك للنمو الإقتصادي في البلدين.
رغم كل هذه المميزات سالفة الذكر، إلا أنّ هناك بعض التحدياتِ التي يجب التغلب عليها لضمانِ نجاحِ المشروع، منها: وضع لوائح وقوانين واضحة ومنظمة لعمل المنطقة، تضمن الشفافية والعدالة وتُشجع على الإستثمار، بعيدًا عن البيروقراطية التي تعطل الكثير من الأعمال ، وتعزيزُ التعاون والتنسيق الأمني بين البلدين ، لضمانِ أمن المنطقة واستقرارها، وبالتأكيد تطوير البنية التحتية، بما في ذلك الطرق والموانئ والكهرباء والإتصالات.
واخيرًا، وليس آخراً، فإن إنشاءَ منطقةٍ حرةٍ مشتركةٍ بين السعودية والعراق، يُعدّ خطوةً استراتيجيةً نحوَ تعزيزِ التعاونِ الإقتصادي بين البلدين، ودفعِ عجلة التنمية في المنطقة، ويجب أن تكون هذه بداية نحو توطيد العلاقات مع الدول العربية، خاصة دول الجوار، فليس من المعقول وجود اتحاد يجمع الدول الأوروبية، رغم ما بينهم من اختلاف في التاريخ واللغة، حيث تتحدث الدول الأوروبية 24 لغة رسمية، ولا يوجد على الأقل مناطق حرة في العالم العربي غير خاضعة للضرائب أو الرسوم، ولا تطبق تأشيرات الدخول، وهو ما يسعى إليه الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده محمد بن سلمان حفظهما الله، من خلال التوجيه بإنشاء هذه المنطقة مع العراق، ومن ثم إعادة رسم خريطة العالم العربي من جديد .
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي