الراحلون الأموات
بقلم الاستاذ |عبدالله البطيَّان
الأحد ٢٩ ذو الحجة ١٤٣٩هـ / ٩ سبتمبر ٢٠١٨م
الرياض- فجراً
صحيفة صوت جازان الإلكترونية
عام انقضى بكل معطياته، أخذ من عمري أشياء كثيرة ،رسم الفرح تارة ،وبلوّر من أحزاني سيرة ،دوّنها حراكي نحو جد واجتهاد ،عبر نافذة مجموعة النورس الثقافية بالأحساء والكثير من الانجازات.
عام علمني الكثير ،وغيّر قناعات كنت على إثرها طائراً في عالم منحني نفسي ،وعرفني صديقي من عدوي ،ووضع لي طريقاً واحداً يمضي ولا يعود ،ولاتبقى إلا ذكراه وخطواتي.
عام أيقنت فيه أن الراحلين ليسوا هم الأموات بل كثير منهم خلدتهم مواقفهم الجميلة، ليكونوا بين لفتات أعيننا كلما شردت أذهاننا لوحشة فراقهم ،وجميل وجودهم حين كانوا معنا ،ولم يرحل همسهم ،ولم يبارحنا إثرهم في نفوسنا ،ويشهد الله أنهم لم يزالوا فينا أحياء بطيب ذكراهم.
وما الأموات براحلين ،لكن الأحياء ممن رحلوا عنا ،وغيروا طريقهم بسوء نكرانهم ،ودنو أخلاقهم التي لم تجعل العيش والملح شافعاً لمحيانا معهم ،بل مات كل بذور العطاء بتركهم سقاية الوصال والود.
خلال هذا العام دفنّا تحت التراب من الأهل ، والأصدقاء وبعض من تركوا فينا أرواحهم ليعيشوا معنا، ولم نستطع بالمقابل أن نمحوا ذكراهم ،بيد أن الراحلين الذين لازالوا على الأرض يمرون من هنا ولم يدركوا أثر وجودنا ،وأرادوا الموت الحي ،ليكون عاقبة وجودهم سوء الذكر بدلاً عن حقن بوادر الحقوق ،وحفظها في إطار الجميل على أقل تقدير.
عام وقول أمير النحل لم ينفك عن ذهني أبداً حين قال: (لاتستوحشن طريق الحق لقلة سالكيه) ،وبهذا أدركت صحة الطريق ،وسدد ذلك تجربة مفادها أن كل طريق مع الله تعهد إبليس أن يقف ليضل ،ويغوي ،ويسد عمل من قصد لله أمره ،ليكون لتلك التجربة دلالة على اختبار وابتلاء صادق المقاصد والنوايا.
حينما أعي أن وجودي هدفه عبادة ،وأن كل حركاتي تسبيح ومبادراتي استغفار ،وعطائي زكاة لما وهبه الله لي من نعمة حينها يقر فؤادي إن وجدت خذلان القريب ،وغفلة من رحلوا عني وهم أحياء.
سجلت مسيرتي خلال ٣٦٥ يوماً لهذا العام تحديداً أحداث كثيرة جعلت من المشهد حالة واقعية بعيدة عن الخيال بين السمو والدنو ،وقد أفلح من كانت أحداثه عاملاً بشروط الإيمان ،وضمن تلك الشروط قوله صلَّ الله عليه وآله وسلم ???? لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
هنا تحديدا ً ،ومع الراحلين: لابد أن يكون إيماننا فاعلاً ،فحقيقة التعامل الحسن يسمو مع من نضاده ولا نحبه ،ليكون بِشْرُنا في وجوهنا وحزننا في قلبنا ،حين نجد سوء فعالهم تجاهنا تحت بنود: ( الغيبة،النميمة،البهتان ) والكثير من النكران ،والفجور في الخصومة.
نعم هنا:يكون مداراتنا نصف إيماننا ،وتغافلنا نصفاً مكملاً لمعيشتنا مع هؤلاء الأموات الأحياء بيننا ومعنا.
أيام تفصلني عن عمر الـ ٣٦ عام وتزيّن شعري بخيوط من البياض، مع ابتسامة ساحرة تظهر البْشر وتخفي الحزن ،نتيجة كل ما تعرضت له من محطات أصبحت ورائي، مخلفة في هذا العام تحديدا ً دلالات لتوثيق المسير إثر المضي قدماً في تحقيق هدف ورؤية ورسالة النورس الأحسائية ،والمشاركة المجتمعية ،والمساهمة في الأمن الوطني الثقافي ،والدعوة للفرح ،والتمكين لصناعة الأمل.
كل ذلك من شعر ،وقصص ،وحراك سياسي،وثقافي،وأدبي،واجتماعي ،وإصدارات واستشارات أدبية تم توثيقها مع كل مهرجان وفعالية ونشاط ،شهدت الصحف المحلية والعربية ،والإذاعة والتلفاز عددا من حراكي معمراً في الأرض بنية خالصة لله جل جلاله.
فالصمود سمة الواثقين ،والاستمرار بصمة الناجحين ،والثبات على المواقف طريق لأحياء يشق طريقهم كنبراس للمبدعين في مجتمعي ليخلدوا في حياتهم قبل مماتهم ويعيشوا بسمة عبادية تتنزه عن المصلحة الشخصية الفردانية وإن لزمت المبدع في فترات من مسيرته.
أيها الراحلون :اللهم إني عفوت وصفحت عنكم وأبرأت ذمتكم فبادروني بالمثل ،ومن عفى وأصلح فأجره على الله.