اختيار-احمد المدير
*{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}*
هذا ردٌ على ابي لهب حين جمعهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليدعوهم إلى الله فبشر وأنذر ، فقال له عمه ابو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا قوله (ألهذا جمعتنا) إشارة للتحقير ، يعني هذا أمر حقير لا يحتاج أن يُجمع له زعماء قريش ، وهذا كقوله : {أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} والمعنى تحقيره فليس بشيء ولا يهتم به كما قالوا : {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
فالحاصل : أن أبا لهب قال : تباً لك ألهذا جمعتنا ؟ فرد الله سبحانه وتعالى عليه بهذه السورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} والتباب : الخسار ، كما قال تعالى : {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ} أي : خسارٍ ، وبدأ بيديه قبل ذاته ؛ لأن اليدين هما آلتا العمل والحركة ، والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك.
*{مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}*
مَا : هذه يحتمل أن تكون إستفهامية والمعنى : أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب ؟ والجواب : لا شيء ويحتمل أن تكون (مَا) نافية، أي : ما أغنى عنه، أي لم يغن عنه ماله وما كسب شيئا ، وكلا المعنيَيْن متلازمان ، ومعناهما : أن ماله وما كسب لم يُغنِ عنه شيئاً ، مع أن العادة أن المال ينفع ، فالمال يفدي به الإنسان نفسه لو تسلط عليه عدو وقال : أنا اعطيك كذا و كذا من المال وأطلقني. يطلقه. ولكن قد يطلب مالاً كثيراً أو قليلاً ولو مرض انتفعَ بماله ، ولو جاع انتفعَ بماله ، فالمال ينفع ، لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار ، ليس بنفع، ولهذا قال {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ} يعني : من الله تعالى شيئاً.
{وَمَا كَسَبَ} قيل : المعنى : وما كسب من الولد. كأنه قال : ما أغنى عنه ماله وولده كقول نوح :{وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} فجعلوا قوله : {وَمَا كَسَبَ} يعني بذلك الولد ، وأيدوا هذا القول بقول النبي صلِ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم : (( إن أطيب ما أكلتم من كَسبِكُمْ، وإن أولادكم من كسبكم))
والصواب أن الآيه أعمُّ من هذا وأن الآيه تشمل الأولاد، وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الآن، وتشمل ما كسبه من شرف وجاهٍ، كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزاً فأنه لا يغني عنه شيئاً
*{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}*
السين في قوله {سَيَصْلَى} للتَّنفيس المفيد للحقيقة والقرب ، يعني أن الله تعالى توعده بأنه سيصلى ناراً ذات لهبٍ عن قريب لأن متاع الدنيا والبقاء في الدنيا مهما طال فإن الآخرة قريبة، حتى الناس في البرزخ وإن مرت عليهم السنون الطوال فكأنها ساعةٌ قال تعالى {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَٰغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا ٱلْقَوْمُ ٱلْفَٰسِقُونَ} وشيء مقدَّر بساعةٍ من نهار فإنه قريبٌ
*{وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}*
يعني : كذلك إمرأته معه ، وهي إمرأةٌ من أشراف قريش لكن لم يغن عنها شرفها شيئاً ؛ لكونها شاركت زوجها في العداء والإثم ، والبقاء على الكفر
*{فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}*
الجيدُ : العنُق ، والحبل معروف ، والمسد :الليف، يعني : أنها متقلدة حبلاً من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به ؛ لتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم. نعوذ بالله من ذلك.
???? *كتاب تفسير جزء عم للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى ص ٤٠٣*