بقلم أ /ضيف الله الحازمي
فقط هو الإنسان الذي يسعى وبصورة دائمة إلى إيجاد التفاوت والتطوير في أنساق حياته الحضارية عمرانا ، ومعرفة ، وثقافة ، وتنظيما وقانونا ، واقتصادا وفي كل الجوانب على مستوى الأساسيات ، والكماليات ، والجماليات ، ومعظم ذلك يعزى إلى حالة التطلع المستمر وتلك الفروق الهائلة بين أفراد المجتمع الإنساني...
فأنت لن تستطيع إيجاد فروق في مجتمعات الحيوان والحشرات في أي نسق من أنساق الحياة لأن (1)القيمة الحضارية مرتبطة بالإنسان فقط كصورة عاقلة ، ونموذجٍ أرقى للتفكير والبناء والعمران ، وكذا (2)الحاجات المتجددة(التطلع) بينما لن تجد ذلك فيما سواه من المخلوقات..
فإذا أمعنا النظر في (التنظيم) مثلا بكل صوره وفي جميع المجالات وكذا (القوانين) فأنت لن تجد نظيرا لتلك الحالة التنظيمية أوتلك القوانين التي أوجدها الإنسان عبر مسيرته الحياتية وصولا للاقتراب من الكمال ، وماعلينا سوى التأمل في تنامي القوانين والتنظيمات عبر التاريخ لندرك أن الإنسان وعبر مسيرة طويلة من التحسينات وصل إلى قمة تنظيماته وقوانينه لتشمل كل صور الحياة له ولغيره من شركائه في هذا الكوكب..
إلا أننا نعلم أيضا أن لذلك التقدم وتلك الصورة المبدعة من التطور في كل مجالات الحياة كان لها ثمنها الباهظ لأن مشكلة الإنسان الأزلية هي (التطلع والبداية) فهو يبدأ من مرحلة متدنية من نضج الأفكار والتنظيمات ثم تحمله حالة التطلع إلى الصعود إلى مناطق لم يصل إليها عقل أو جنس من الأجناس مع مايصاحب تلك البدايات من صعوبات ومشقة ، فنحن نشاهد أن معظم بدايات الإنسان في مراحله الأولى تكون بسيطة وربما حتى ساذجة بصورة أدنى ربما من غيره من المخلوقات ولكنه حتما يتفوق بعد ذلك ويتقدم في مساراته التنظيمية بصورة مذهلة بمالا مقارنة بينه وبين ماسواه من الكائنات التي تعمل في صورة من الغرائز المعززة لتوفير الحاجات الأساسية لهذه الكائنات(الغذاء، والأمان، واستمرار النوع) ماعدا ذلك نجد الإنسان يتفوق في كل الحالات ولايشينه من ذلك شيء باستثناء مايحدثه هذا المخلوق من صور مريعة في جوانب التعدي على البيئة وقدرته المدهشة على أن تكون تنظيماته وتشريعاته تأتي على حساب كل صور الحياة المختلفة...
فلن نستغرب أن تُهدم بيئة حية للطيور أو الحشرات أو أي نوع من الحيوانات أو حتى بعض المجتمعات الإنسانية الأخرى فقط ليقام مكان ترفيهي أو مدينة ألعاب ليتسلى الإنسان على حساب حيوات عديدة تزهق في ذات الوقت ثمنا لساعات لهوٍ تقام هنا أو هناك..
ومع ذلك وبالنظر للقدرات الهائلة لهذا المخلوق ليكون استثناء في تحسين الحياة ، وإفسادها وعمران العالم ، وتدميره فقد بقي هو المتغير الأجمل الذي أعطى للحياة رونقها وجمالها وقيمتها ربما لأنه (اختيار إلهي) وربما لأنه يملك سلطة اتخاذ القرار المتكئة على تلك الخاصية البشرية الحصرية (التفكير) التي لاشك أسهمت في تشكيل حياة الإنسان قدما باتجاه جودة الحياة واستدامة عمران العالم واستمرار هذه الحياة بكل مافيها من شغف وتطلع وجمال..
ولعل جمال الحياة واستدامة عمرانها وخلافة الله في الأرض خُص بالإنسان لأن الله علم ذلك في سابق علمه فاختار أن يكون هذا الكائن هو أيقونة الحياة الأكثر تأثيرا في جميع أنساق الحياة له ولكل ماسواه من المخلوقات....