الكاتب - أ.د محمد احمد بصنوي
في الآونة الأخيرة، تداولت العديد من المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام أخبارًا عن انتهاء العمل باتفاقية "البترودولار" بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، مما أثار ردود أفعال متباينة، خاصةً مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات اقتصادية عالمية هائلة، و"البترودولار" مصطلح يشير إلى نظام يعتمد فيه بيع النفط الخام بشكل أساسي مقابل الدولار الأمريكي بمعنى آخر، عندما تبيع الدول المصدرة للنفط نفطها، تتلقى مدفوعات بالدولار الأمريكي.
ولكن السؤال الذي يثار الآن، ما حقيقة هذا الأمر؟، وما الذي يدفع بعض وسائل الإعلام لتبني مثل هذه الأخبار؟ سنحاول الإجابة على هذا السؤال في السطور التالية، وفقًا لما نُشر في موقع العربية، ونقلاً عن موقع ledgerinsights فإن هذا الاتفاق غير موجود حتى في السجلات التي رفعت عنها السرية، ، ولكن هذه الأخبار المتداولة نابعة من العديد من الجوانب أهمها: انضمام المملكة العربية السعودية خلال الأسابيع الأخيرة بالفعل إلى mBridge، وهو مشروع العملة الرقمية للبنك المركزي عبر الحدود، والذي يضم البنوك المركزية في الصين وهونج كونج وتايلاند والإمارات، ولا تخطط mBridge لدعم المدفوعات بالدولار في الوقت الحالي، بالإضافة لانضمام السعودية إلى "البريكس" التي تسعى لاستخدام المزيد من المعاملات بالعملة المحلية، وتجنب الدولار.
يتبقى الآن معرفة فحوى الإتفاق المثير للجدل الذي حدث بين المملكة والولايات المتحدة في 1974، الذي أطلق عليه اتفاق "البترودولار"، فبعد رحلة من البحث لمعرفة الحقيقة، وجدنا أن ملخص معاهدة 1974 يتمثل في موافقة الولايات المتحدة على بيع أسلحة عالية التقنية للمملكة، وفي المقابل استثمار الفائض النقدي في سندات الخزانة الامريكية، وفي الثمانينات كانت تمتلك المملكة وفقًا للتقارير 30% من ديون الخزانة الأمريكية، ومع تضخم الدين القومي للولايات المتحدة لما يقارب الـ 35 تريليون دولار، ولم تزيد استثمارات بلادنا في سندات الخزانة عن 136 مليار دولار، وهو أقل بكثير من 1% من الدين الأمريكي السيادي.
لا تشير أي سجلات رفعت عنها السرية إلى طلب الولايات المتحدة في اتفاق 1974 إلى استخدام الدولار في مبيعات النفط، وهو ما ينفي فكرة اتفاق "البترودولار" جملةً وتفصيلاً، ويكمن السبب في استخدام الدولار في بيع النفط لأمر بسيط للغاية، يتمثل في أن الدولار سيد العملات وهو المهيمن على التجارة العالمية، فسعر كل عملات العالم يُحدد من خلال التسعير بالدولار، و47% من المدفوعات الدولية التي تستخدم نظام المراسلة، تتم بالدولار الأمريكي، وترتفع إلى 59% إذا تجاهلت المعاملات بين دول منطقة اليورو، خلاف أن الدولار يشكل 58% من احتياطيات الحكومات والبنوك المركزية، وفقًا لصندوق النقد الدولي، ويأتي اليورو في المرتبة الثانية بنسبة 20%. ويحتل اليوان الصيني المركز السادس بنسبة تزيد قليلاً عن 2%.
لا شك، أن المملكة أحد اللاعبين الدوليين على المستوى السياسي والإقتصادي، ولذلك تدير العلاقات الدولية بحكمة بالغة بما يحقق مصلحة المملكة، وهذا الأمر لا يمكن أن يحدث، إلا بفضل الله ثم بحكمة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وولي عهده محمد بن سلمان، فلا تميل كل الميل إلى الغرب أو إلى الشرق، فتجد علاقات المملكة على أفضل مستوى مع أمريكا، ومع التنين الصيني والدب الروسي، رغم التناقض في السياسات ما بين هذه الدول.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإن هناك توجه ما زال في مرحلة التكوين بقيادة روسيا والصين، لتقليل الإعتماد على الدولار الأمريكي، ليس في تجارة النفط فقط، ولكن في نظام التجارة العالمي ككل، والإتجاه نحو زيادة استخدام عملات بديلة، مثل اليوان الصيني، أو الروبل الروسي، وبعض العملات المحلية، والمملكة كما اعتدنًا لن تتردد في أي إجراء يحقق مصلحة البلاد والعباد.