الحج: رحلة إيمانية في ظلّ كرم الضيافة السعودية .
يتوجه المسلمون في هذه الأيام من كل أنحاء العالم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لآداء مناسك الحج الركن الأعظم في الإسلام، باحثين عن المغفرة والتقوى والتواصل الروحي مع الله عز وجل، وتُسخّر المملكة التي تحمل لواء خدمة بيوت الله الحرام، كل إمكانياتها لضمان راحة وسلامة الحجاج في تلك الرحلة الإيمانية العظيمة التي تُجسّد وحدة الأمة الإسلامية.
تتمتع المملكة بخبرةٍ راسخةٍ في تنظيم الحج، تمتدّ لعقود من الزمن، وتُسخّر هذه الخبرة في التخطيط الدقيق، وتنفيذ جميع مراحل الحج بكفاءةٍ عاليةٍ، بدءًا من استقبال الحجاج ووصولهم إلى المشاعر المقدسة، مرورًا بتوفير الخدمات الأساسية من سكنٍ ونقلٍ وغذاءٍ ورعايةٍ صحيةٍ، وصولًا إلى تسهيل أداء المناسك بكل يسرٍ وسهولة، وهذا الأمر ليس باليسير ، خاصة إذا علمت أن موسم حج 1444 هـ (2023 م) شهد حضور 1,8مليون حاجًا من جميع أنحاء العالم، منهم 1,6حاجًا قدموا من خارج المملكة العربية السعودية عبر المنافذ المختلفة، فيما بلغ عدد حجاج الداخل 184,١ حاجًا من مواطنين ومقيمين.
لا تكتفي المملكة بما وصلت إليه من خبرة ممتدة في تنظيم الحج، بل تُواصل تطوير خدماتها مستفيدةً من أحدث التقنيات والإبتكارات، وتشمل هذه الخدمات التسجيل الإلكتروني، حيث يُتيح هذا النظام للحجاج التسجيل والتقديم على تصاريح الحج بكل سهولةٍ ويسرٍ من خلال منصة "نسك" الإلكترونية، وتوفير أفضل الخدمات الطبية للحجاج، بما يشمل إنشاء مستشفياتٍ ومراكزَ صحيةٍ مُتقدمةٍ في جميع أنحاء المشاعر المقدسة حيث تم توفير 32 مستشفى و 140 مركزًا صحيًا بسعة 6,132 سريرًا و 761 سريرًا للعناية المركزة، و 222 سريرًا لضربات الشمس، وتنفيذ خطط أمن الحج من خلال مشاركة أكثر من 100 ألف رجل أمن معنيون بالدرجة الأولى بالمهام الأمنية.
وتشارك 21 جهة حكومية وخاصة خلال موسم حج في تقديم أكثر من 200 خدمةٍ رئيسةٍ وتشمل: أنشطة الأمانات والبلديات، وخدمات الرقابة والتفتيش، وخدمات تجهيز وتهيئة المنافذ لاستقبال الحجاج، وخدمات إصدار تصاريح الحج لحجاج الداخل، وخدمات الأحوال المدنية، ويبلغ إجمالي القوى العاملة التي تُقدِّم الخدمات العامة بلغ 257 ألف موظفًا وموظفةً، منهم على مدار الساعة طوال أيام موسم الحج، فيما بلغ عدد المُعدات والآليات المستخدمة لهذه الخدمات 62,050مُعِدَّةً وآليةً، و7727سيارةً، و2640 دراجةً ناريةً، و14,498 جهازًا لا سلكيًّا، و5337جهازَ حاسبٍ، وفي مجال الإرشاد وتقديم خدمات الدعم والمساندة تقوم جمعية الكشافة العربية السعودية عن طريق 3289 كشَّافًا بإرشاد الحجاج التائهين وإيصالهم إلى مقراتهم.
ليس هذا فقط، بل تقوم المملكة بنصب أكبر مدينة خيام في العالم في مشعر منى على مساحة تقدر بـ2.5 مليون متر مربع ، لإستيعاب أكثر من 1.8 مليون حاج في أكثر من 150 دولة، وتخصص أكثر من 24 ألف حافلة لنقل الحجاج إلى المشاعر المقدسة خلال موسم الحج ، بالإضافة لتطوير البنية التحتية في المشاعر المقدسة بشكلٍ كبيرٍ، بما يشمل توسيع المساجد، وبناء المزيد من الجسور والأنفاق، وتطوير منظومة النقل العام.
ولا ننسى أن كرم الضيافة وطيبة العسكر والمتطوعين يُضفي على رحلة الحج شعورًا خاصًا بالدفء والأمان، فهم يقفون جنبًا إلى جنب مع الحجاج، لتقديم أفضل الخدمات والمساعدة والإرشاد بكل صبرٍ وتفانٍ، إيمانًا منهم بأهمية هذه الفريضة الدينية، مما يُساهم في خلق بيئةٍ مُريحةٍ تُتيح للحجاج التركيز على أداء مناسكهم بكل خشوعٍ وهدوء.
وأخيرًا وليس آخرًا، فبفضل من الله ثم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان-حفظهما الله ورعاهم-، وخبرة القائمين على تنظيم الحج، وطيبة وسمو اخلاق رجال الأمن والمتطوعين، والخدمات الراقية الحديثة التي توفرها مملكتنا الحبيبة، تُصبح رحلة الحج تجربةً إيمانيةً استثنائيةً تُخلد في ذاكرة كل حاج، وهو ما يساهم في تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية كمركزٍ للإسلام والمسلمين وخدمة بيت الله الحرام.
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي