عُقدة الخواجة ..
دائمًا ما ننظر إلى أي منتج غربي على أنه الأفضل، خاصة المنتجات التكنولوجية، فإذا أردت أن تشتري سيارة على سبيل المثال لا الحصر، فتفكر بشكل تلقائي دون تفكير حول شراء السيارة الأوروبية أو الأمريكية بشكل عام ، فلما لا وقد زُرع فينا بأن الغرب أكثر تقدمًا، وهذه حقيقة، وبأنه الأقدر دائمًا على إنتاج الأفضل، وهذا ليس صحيحًا دائمًا، فالمغرب استطاعت أن تكسر هذه القاعدة التي يعتبرها البعض عبارة عن مقدسات لا يجب أن تُمس، وتثبت بأن العرب قادرين على صناعة السيارات الأوروبية، وهنا أتكلم عن صناعة، وليس تجميع مثلما يعتقد البعض.
الطريق لم يكن سهلاً أمام المغرب لتحقيق طفرة في صناعة السيارات، وتتحول لمركز للتصدير السيارات إلى الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط وإفريقيا، فهناك قصة نجاح كبيرة حدثت بين عامَي 1959 و2018 من خلال التخطيط والتعاون الوثيق بين السلطات المغربية والشركات العالمية، فقد بدأت صناعة السيارات في المغرب عام 1959 عندما أسست الحكومة شركة «صوماكا» تحت إشراف فني من «فيات» في مدينة الدار البيضاء بهدف تجميع السيارات لبيعها في السوق المحلية، وظلت الصناعة في المغرب عبارة عن تجميع، حتى حدث تحولاً جذريًا عام 2005، عندما استحوذت شركة رينو الفرنسية على حصة أغلبية في شركة «صوماكا» وبدأت إنتاج سيارتها «داسيا لوغان»، وكان لشركة «رينو» الفضل في نمو صناعة السيارات المغربية، إذ زاد الإنتاج بواقع نحو أربعة أمثال خلال تسع سنوات من عام 2005 حتى عام 2014، وبالإضافة إلى رينو، يوجد عدد من كبرى شركات السيارات في العالم مثل نيسان، وبيجو وفولكس فاغن، ومرسيدس، بنز، وبي إم دبليو، وأودي.
أصبح المغرب رائدا قاريًا وإقليميًا في صناعة السيارات بفضل النمو المتسارع لهذا القطاع خلال العقود الماضية، إذ تمكن من ترسيخ مكانته كأول منتج للسيارات بالقارة الأفريقية، وأصبحت تصدر السيارات لأكثر من 70 وجهة عالمية، ووصلت الطاقة الإنتاجية لـ 700 ألف سيارة، بقوة عاملة أكثر من 220 ألف شخص في جميع أنحاء البلاد، بمعدل إدماج محلي يناهز 69%، وباتت تًصدر أجزاء السيارات لنحو 70 وجهة عالمية بحسب موقع الجزيرة نت، وهو ما يعني أن هناك صناعة سيارات حقيقية في المغرب، ليست قائمة على التجميع، خاصة وأن المنتج المحلي من السيارة يقارب الـ70%.
ليس هذا فقط ، بل استطاعت المغرب بعد ما اكتسبته من خبرة ومهارة في هذ المجال من اقتحام أحدث مجال في صناعة السيارات، ألا وهو صناعة السيارات الكهربائية، وأنتجت سيارة كهربائية "نيو" أول سيارة كهربائية 100% مغربية الصنع، وتخطط المغرب للوصول إلى طاقة إنتاجية سنوية بنحو مليون سيارة كهربائية في السنوات المُقبلة، وهذا يعني أن المغرب استطاعت أن تُغرد منفردًا في مجال صناعي متقدم، وتُلغي فكرة "عقدة الخواجة" المنتشرة لدى الكثيرين، دائمًا ما أحكم على نجاح أي شيء بلغة الأرقام، فالأرقام لا تتجمل، ولا تعرف الكذب، فقد قفزت صادرات الرباط من السيارات 33 % على أساس سنوي لتصل إلى ما يزيد على 10 مليارات دولار في عام 2022 وفقًا لموقع الـcnn.
الهدف من حديثي عن تجربة المغرب في مجال صناعة السيارات، هو الإستفادة من هذا الدرس الطموح الذي يجب أن يُدرّس، فالرباط استطاعت أن تتحول لمنصة تصديرية للسيارات الأوربية والغربية، واستطاعت تصنيع 70% من أجزاء هذه السيارات محليًا، وتصديرها أيضًا للخارج، وبالتالي توطين هذه الصناعة، ومؤخرًا دخلت بقوة مجال صناعة السيارات الكهربائية بنسبة مكون محلي وصل لـ100%.
صحيح أن السعودية لديها استراتيجية في تصنيع السيارات الكهربائية تهدف لتأسيس مصنعين للسيارات الكهربائية في المملكة بإنتاج سنوي يصل إلى 300 ألف سيارة، وقد تم بالفعل وضع حجر الأساس لمصنع لوسيد، الذي سيصل إنتاجه إلى 100 ألف سيارة، كما تم إطلاق علامة CEER التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، ولكن هناك حاجة لبذل المزيد من التحفيز لهذا القطاع، فالمنافسة ليست سهلة، فالأرض لن تكون مفروشة بالورود.
وأخيرًا وليس آخرًا، فاتجاه السعودية لصناعة السيارات ، خاصة الكهربائية أمر جيد ، ونُؤيده وندعمه، ولكن شريطة التصنيع بنفس المواصفات الأوروبية، خاصة وأن المملكة هي أكبر سوق للسيارات في المنطقة العربية، حيث تم بيع 550 ألف مركبة خفيفة في آخر سنة قبل جائحة كورونا، وهو ما يعني وُجِد فرص كبيرة لنجاح تصنيع السيارات محلياً، فالسوق متعطش، ولكن لن يتعطش إلى أي سيارة.
الكاتب :
أ.د محمد بصنوي