جرح ثاني
أتصل صديقي عليه وقال اريد أن نلتقى في مكان خلي مثلا قهوة ونأخذ لنا ركن فيها أريد أن أدردش معك فهمس صديقي بصوت رقيق يتخلله الأنين ويحاول أن يكتم عبرات تحاول الخروج إلى النور من مقلتيه ولكن خرجت زفرة كانت تتأجج في صدره وهطلت دموع اليأس من عينية فحاولت أن أخفف علية وطأة الحزن والكبت وأخذنا مكان قصي حتى لا تفضحنا العيون وقال كلام تخنقه العبرات والزفرات قال حياتي انقلبت رأسا على عقب وأصبحت أنسان غير وحيد في لجة الليالي الكئيبة والتي أصبحت تتساوي الليالي بلون واحد ونمط واحد وقال أبت ألا أن ترحل بكل ما مضى من محبة وإخلاص رحلت إلى المجهول بحب متعسر متعثرة خطاه والله يعوض علي سهر الليالي وكفاح الايام الصعبة فلقد جرحت كبريائي بجرح ثاني غير جرح الزمن الذى أدى بي إلى مشارف الهلاك وأصبحت أأٍنٌ من وجع السنين الظمئ وأسبح بخيالي إلى أيام كانت سعيدة ومتوهجة بالسعادة والدلال وكانت ثواني السعادة معدود ولم أحسب للوقت حساب بل كانت أسبح في عالم خيالي غير آبه بما تأتي به السنين من الآلام والأوجاع بل كنت متسامح ومتصالح مع عسرات الليالي الصعبة وكانت أموري تمشي ببطيء و يتخللها بعض منغصات الحياة البسيطة في نظري فأنا في حالة من فقدان الوعي وأتجرع من كأس الحياة أجمله وأحلاه ولكن وبعد مسيرة السنين الطويلة فجأة تتغير كل المفاهيم والقيم والمبادئ التي تربيت عليها وحافظت عليها وأصبحت تحاور وتناور إلى الهبوط والخسارة و تطاول النجوم لكبريائها وعنجهيتها وأصبحت كمن يحاول الوصول إلي المستحيل وحاولت أن ألملم جروحي وأرحل إلى عالم من النسيان الذي دربه طويل وأصبحت أتذكرها على فترات من هدوء النفس وأعللها بأن ترجع ليالي الصفاء مرة أخرى ولكن هيهات فالكأس الذى أنكسر لن يرجع كما كان وحاولت عدة مرات لملمت المواضيع والامور ببساطة واجعلها تتراجع عن عنادها ولكن للأسف وصلنا إلى طريق مسدود وانتهت تلك العلاقة القوية بقصة غريبة تروى لأجيالنا القادمة كنكران للجميل وضياع الآمال في مهب الرياح العاتية التي عصفت بنا وبأسرتنا الصغيرة التي حافظت عليها من عواصف الزمن العاتية ولا يوجد أمل في رجوع المياه إلى الأعلى فقلت له الله كريم و الأبام والليالي كفيلة بتجاوز هذه الأزمة وتداوي الجروح المفتوحة وحاول أن تتناسي أو تنسى هذه الأحداث لكي تستمر في حياتك وتعيش مستقبلك المقبل بحياة وحيوية وبهمة ونشاطك الذى أعرف فيك منذ نعومة أظفارنا وكادت العبرات تفيض من عيني لما رأيت صديقي في هذه الأزمة ونهض مسرعا إلى المجهول وعبراته تسابق زفراته وحاولت اللحاق به ولكن هيهات فلقد أختفى في ظلمة الليل البهيم وأسدل الستار على قصة نغصت عليه حياتي وأصبحت أعاني مثل ما يعاني تضامنا مع صديق العمر وقفلت راجعا إلى منزلي متألما من حكايته وأصبحت تراودني الأفكار في حالة صديقي وما العمل في حلها أو تناسي الموضوع برمته واتصلت عليه هاتفيا فردت زوجته فقلت لها أبو سلطان موجود قالت نعم وأخذ السماعة ورد وهو يتهكم قلت هذه زوجتك ردت على الهاتف وأنت تقول أنها رحلت وتركتني بين عبراتي راثيا لحالك ولأطفالك ترك أمهم المنزل فقال من جاب سيرة ام سلطان فقلت له أنت فقال أنا اتكلم عن البورصة والأسهم وكيف خسرت الأول والتالي فيها فلم أتمالك نفسي من الغضب والضحك معا لهذا الموقف وأقفلت سماعة التلفون تاركا العنان للضحك الهستيري الذى تملكني بعدما كنت متعاطفا معه في محنته الأسرية فخرج لي بهذه القصة التي أحسبها من الخيال الواسع لصديقي ولكنها الحقيقة التي أفاض بها على مسامعي فكانت طرفة بحق .
بقلم مبارك محمد القحطاني
لندن
4/10/2019