زنابق ..
الكاتب / د - صلاح عبدالله العرابي
انتعشت أحلامه بنشوة مُعتقة بعد أن تسلل إلى تلك النافذة المُختبئة في صدر الأفق والقريبة من مسائه المُدهش والأمل المُفاجىء في ملامحه يبرق بماءٍ عذبٍ على خطاه وتلك الأزهار الغضَّة الطرية التي نثرت عبقها البهي بلا موعد على ظلال تلك الروضة الندية حتى فاقت الأحلام ماكان يتمنى فالهواء البارد النابع بإرتقاء من رابية الجبل ولد على وجهه بعد الغروب. فمن يثرثر كثيراً دون أن يدرك مايقول أو ربما يدرك ولكن لافائدة لما قد تجنيها تلك النظرات الجائعة لما قد يقول يُباين ذلك أما ذلك الهادىءُ في اتزان منطقه تأبى قدماه إلا أن تخطو حثيثاً على أرضيته فشجيراته شاهقة تسبح في الفضاء الرحب وطَّل البنفسج في متاهات صباحه رقيق دافىء وأغصانه لانهاية لها فهل يشعر ذلك بالوحشة الخاوية كما شعر غيره بها؟ أقدام ثابتة وخطى ضليعة تمتد جذورها بعد اطلالة ذلك القرص المستدير بإضاءته الخافتة على جبين الليل. نسيم ربيعي فارحٍ دب في مخيلته الحياة.وما أجملها من حياة عندما يكون وحيداً مع من يصافح اضماره.. تتحرك وريقات ملونة من أعواد ثائرة وهو في دربه إلى ذلك الطائش الفارع الذي يسمع هدير أمواجه فقد تنتابه بين الحين والآخر مايُدغدغ جسده من برادٍ لطيفٍ حاني في لسعته فتمتد يديه دون أن يشعر إلى ماقد يستره ليُرضي ذلك الطرف بابتسامة وديعة طيفها ظل الغيم ودفء الطين وقطرات المطر .فبعد أن تزول من عالمه السعيد تلك المُلتهبة والتي تمد المُهجة لغبار مسافاته بسناءٍ بارق فاخر يهرب بقدميه نحو تلك التي يجد دائماً على أهدابها روعة المُراد والتطلع في محاكاة من حوله بمايبثه من أسى والمُبتغى في مناجاة من يحيط و يعصف به من رجاء.. ليس من طرف واحد فقط وإنما بشعورٍ نضر يُرضي غرور الطرف الآخر.. فالصمت توأم السعادة نحو ذلك الأمل والرجاء نحو تلك المحاكاة أو المناجاة.. وقف كثيراً بين أمنياته وهو يتأمل في ذلك الساق من ذلك الغصن المُتعرج من تلك الباهية بفستان عرسها الأخضر الداكن كان تلك اللحظة يهُم بإنتفاضته المُرتقبة ليمسح عن جبينه قطرات النداوة التي غصَّت بها كاحله فمن الإشراق الباكر وهي مُلتحمة بذراته حتى أصابها أرق النعاس الصامت فكان ماكان أمام عينيه فانسحب بألق كما هي عادته بعد أن وادعته تلك المُنيفة بنظرة ترقُّب جادت بها عليه. وهو في طريقه وحيداً . نظر إلى الأعلى فإذا بها تخفق أمام ناظريه في حُنُوٍ وغناج فقد كانت سعيدة لأن تمده ببعض ماتشعله في جوفها من وهج صَموت.. ارتاح قليلا وهو يبعثر نظره نحو ماكانت ترمي إليه قدماه فوجدها أسراباً يفوق وصفها مفتولة ووطيدة وكأنها تولد فقط دون أن تشيخ وتعيد للأحياء رؤيتهم لوجود الأشياء أو ربما تضع حداً لبؤس الأحياء نحو الأشياء.. اقترب كثيراً بحواسه الحافية نحو من كان كبيراً فسيحاً في النور فتضاءلت مساحته في بقعةٍ صغيرةٍ من أعين الظلام ووقف حينها بإصغاءٍ رائع على بداية مشارفه ليستعيد رؤاه في عالمٍ قد خلَّفه وراءه مَلِىء بالتشدق والثرثرة حتى عندما كان يُفكر عنهم أو بهم تطن أُذُناه بتلك الكلمات الكثيرة ولكن هنا لامجال لذلك فالأحداق المُطمئنة تجد عالمها الرحب حينما تعزف أغنية الصمت والتفكير حينها يستطيع أن يقدم أنشودة المنطق بروافد هادئة فالشفاه المُثمرة بالسكون تجد على أطراف عناقيدها بقايا الأمل الواعد والذي تفوح منه طيب النفحات ونبعه يفيض بالغض النضير يفيضُ بشغفٍ خافقٍ برائحة العبير!!!