يستمر الفن التشكيلي في الانتشار ويستمر الفنانين في الابداع بفنهم الذي عبر الحدود واستضافت اصداء عكاظ الالكترونية الفنان التشكيلي المخضرم ( الفنان التشكيلي الاستاذ / زهير محمد عبد الله مليباري ) في هذا اللقاء المميز ،
وبدأنا بالسؤال التقليدي عرفنا بنبذة عن أبرز المشاركات و المعارض الشخصية ؟
فكان الجواب : بدأت المشاركات الفعلية في الساحة الفنية منذ عام 1398 هـ في أنشطة الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومن خلال نادي الكفاح الرياضي سابقاَ ( حالياَ نادي حراء الرياضي ) وما تحظى به الأندية السعودية في جميع أنشطتها من دعم واهتمام بالغ من حكومتنا الرشيدة أيدها الله ، ثم توالت المشاركات الفنية مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب و جمعيات الثقافة و الفنون بجدة وقرية مفتاحه بأبها ونادي مكة الأدبي ، و بعض الجامعات السعودية كجامعة أم القرى و جامعة الملك عبد العزيز و جامعة الملك سعود ، ومجموعة كبيرة من مشاركات القطاع الخاص مثل شركة صافولا و شركة الزيت العربية المتحدة و المركز السعودي للفنون التشكيلية و المعارض التي تقيمها الصالة الخاصة بالفن التشكيلي مثل روشان واتليه جدة وبيت التشكيليين بجدة و صالة الخالدية بمكة المكرمة و المراكز التجارية في كل من مكة و جدة و الطائف ،
وأكمل ثم بدأت منذ عام 1416هـ انطلقت مجموعة مكة للفن التشكيلي و التي كانت حلم يراودني طيلة هذا المشوار الفني وتحقق ولله الحمد على يد محبين وممارسين لهذا الفن من أبناء مكة المكرمة لتبني منهجية جديدة في الفن التشكيلي قائمة على فكرة التجربة وطريقة الأداء المبتكرة التي تجمع بين التلقائية في مزج الألوان و اختلاطها وما ينتج من تداخلات منسجمة ، وبين المقصود في توظيف بعض العناصر الكلاسيكية ذات البناء التشكيلي الرصين كالحروف العربية و العناصر الواقعية ، وقد نال هذا المنهج الفني نصيب الأسد في مدارس مكة المكرمة بعد مشاهدتهم الفعلية له من خلال برنامج الأساليب الإشرافية الخاص بمعلمي التربية الفنية بالعاصمة المقدسة وتطبيقهم له في كثير من جداريات المدارس .
ثم انتقلنا للسؤال الثاني : هل تؤيد بقاء الفنان في مدرسة فنية محددة وتخصصه فيها أم تؤيد الانتقال من مدرسة لأخرى ؟
فأجاب وجدت المدارس الفنية التشكيلية للتعرف على فلسفات ومنهجية كل مدرسة على حدى ، و هي وليدة بعضها البعض ، فمثلاَ المدرسة الرومنتيكية هي وليدة المدرسة الكلاسيكية و الانطباعية هي وليدة المدرسة التأثيرية 0000 وهكذا ، كما أن هناك خاصية يتمتع بها الفنان المبدع فهو يعد مدرسة فنية قائمة بذاتها ، يشدو فيها بأعذب ألحان تجربة التشكيلية في إيقاعات يبدعها بين الخط و المساحة و الكتلة و الفراغ ، و يجدر بالفنان المبتدأ في الفن التشكيلي أن يتعرف على مدارس الفن ويجربها بالممارسة ، حتى يكون لديه خلفية مهارية تشكيلية كبيرة تساعده في الخوض بثقة لمتغيرات الفن التشكيلي
تلى ذلك السؤال الثالث : متى تشعر برغبة في الرسم ؟ وما هي خطوات اللوحة الجيدة ؟
فقال : تختلف رغبات الفنانين في الرسم من فنان لآخر ، ويرجع هذا إلى أحاسيس الناس ومشاعرهم و انفعالاتهم التي تختلف بدورها من شخص لآخر ، ويدفع الفنان للإفصاح عن العمل الفني على منوال لوحته شيء من التفكير العميق الذي يسبق الإبداع وهو المسؤول الأول لاندفاع الفنان نحو الرسم بكل شغف و جديه وهو أحد مراحل الإبداع الفني ، وقد لا يكون هذا بل يأتيه الحماس و الرغبة في التعبير لإظهار بعض الخلجات الكامنة في النفس إلى حيز الوجود المادي فتكون النواة الأول المحركة نحو الإبداع الفني ، وقد لا يكون أيضاَ هذا بل الرغبة الجامحة المؤرقة التي تحدثه و تؤنبه لتدفعه نحو الممارسة الفنية والتي لا تنطفئ إلا بالاستغراق في مزاولة وإنتاج الأعمال الفنية لأنها انعكاس لما يكنه الفنان في داخله وتنفيس عن مشاعره وأحاسيسه وتعبير عما يجري في الحياة وإعادة صياغتها وترتيبها ثم تقديمها للناس بصورة أكثر واقعية وقرباَ .
لا يوجد ترتيب منطقي تمر من خلاله تنفيذ جميع الأعمال الفنية لأنها أحاسيس ومشاعر وخلجات الفنان وما يرتبط بهذا لا يمكن تقنينه بل يمكن وضع خطوات يمكن تتبعها لإخراج العمل الفني ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
0 الدافعية إلى ممارسة العمل الفني تنتج من ما يجوب النفس من خواطر وأحداث تنصبغ بالأحاسيس والمشاعر ، وقد تكون خاصة أو عامة تشمل المجتمع والعادات والتقاليد والمورثات وكل ما يحيط بالفنان وما يؤثر فيه ويتأثر به .
0 الوميض الإبداعي الجمالي الذي يبرق في داخل الذهن والمحمل بالخبرات والتجارب والثقافة والذي يظهر جزئية هامة من العمل الفني ويدفع الفنان نحو إنتاج العمل الفني .
0 المعالجات التشكيلية والشاملة على مجموعة من البدائل التركيبية الناتجة من الثقافة والخبرة والتجارب والممارسة الطويلة ، والتي تتأرجح بين التصميم في إخضاع الفكرة لمنهج أو مدرسة فنية بعينها وبين ما يمليه الوميض الإبداعي على الفنان من إنتاج ممارسة فنية مقنعة تحمل شخصية الفنان و صفاته .
0 الخامات والأدوات المساعدة في تشكيل وإنجاز العمل الفني . التشطيب النهائي ودراسة العمل وإخضاعه للأسس التصميم من ظل ونور وقواعد المنظور ، وفراغ وكتلة ، ولون وخط و مساحة .
0 الإخراج النهائي للعمل وما يحتاجه من لمسة جمالية ليظهر بصورة لائقة وإخراجه عن الاستهتارية بالمتلقي والمشاهد .
ثم كان السؤال الرابع : نلاحظ في أعمالك الاعتماد على لون أو ثلاث ألوان معينة و تبدأ في مداعبة اللوحة ، هل هذا توجه مقصود منك في عدم التنويع في اللون للسيطرة على متابع العمل (المتذوق ) ؟
فقال : إن وجود لون سائد في اللوحة هو من صميم العمل التشكيلي فلكل عمل فن بلتته اللونية الخاصة به ، فهذه اللوحة بلتتها زرقاء وهذه خضراء وأخرى صفراء ، وهكذا مع وجود مجموعة من الألوان الموزعة على منوال اللوحة ، ولكن يوجد لون مسيطر يستوجب إرجاع اللوحة إليه ويسمى هذا بالثراء اللوني حيث يتواجد اللون في كل عنصر من عناصر العمل ، رغم اختلاف العناصر و المساحة اللونية ، فكل مساحتين لونيتين متجاورتين تأخذ من بعضها البعض لينشأ الترابط و وحدة العمل الفني وانسجام عناصره .
السؤال الخامس : معظم المعارض الفنية المقامة تتبع التجريد في الفن ، فهل هذه المعارض تعتبر فوره و وقتية أم تلاشي للمدرسة الكلاسيكية و الواقعية في الفن ؟
يأتي التجريد في الفن التشكيلي كميزة فنية لها عمقها المذهبي ، واتجاه تشكيلي يصوغ العناصر الواقعية و الأشكال المحسوسة بصورة لها واقعية تؤكد على صفتها الكامنة فيها ، وتكشف عن مدلولات جديدة لها ، فهو أعمق في التعبير وأصدق في نقل المشاعر والخلجات النفسية إلى العالم المرئي ، ولهذا يكاد يكون الفنانون المحدثون كلهم تجريديين لهذا السبب ، هذا يجعل نفراَ قليلاَ من غير الفنانين يخوض نوعاَ من الشخبطات الأدائية الخارجة عن أي مدلولات حسية أو فلسفات فكرية أو أطروحات واقعية ، واجدين في التجريد منفذا رحباَ لهتراتهم وعبثهم ، وسلماَ يتسللون به ردهات المعارض و صالونات الفن التشكيلي غير عابئين بما يفعلونه من إجحاف أو تشويه لما هو فن ، محطمين بهذا كل القيم الفنية و البناءات التشكيلية للعمل الفني ، فلا تجد في شخبطاتهم ما يثير فضول المتلقي و حيرة المشاهد أو تأملات الناقد و الفنان ، بل على العكس فهي تدمر الانفعالات و تقشعر الأحاسيس وتشمئز منها النفوس وترسم بهذا انطباعا غير جيد عن الفن التشكيلي لدي عامة الناس وفهماَ خاطئاَ عند المهتمين بالحركة التشكيلية و جواَ مفعماَ بالتقزز وعدم الارتياح ، من كل ما هو جديد في هذا المجال ،دون أن يعبأ هؤلاء المتسللون بما جنوه على أنفسهم أولاَ ،وعلى الثقافة الفنية ثانياَ وعلى استهتارهم بالمشاهد ثالثاَ .، و لا تنفي مدرسة فنية مدرسة أخرى فلا نستطيع القول بأن المدرسة التجريدية أفضل من المدرسة الواقعية و العكس ، بل أن تعدد المدارس وتنوعها ظاهرة صحية تثري ثقافة المجتمع و تنوع مصادره .
السؤال السادس : ما هي رسالة الفن و الذي يود الفنان تقديمه من خلال أعماله ؟
الجواب السادس : الفن يهدف إلى تمرين الفكر على فهم العالم كما يراه الفنان {رودان} أو هو علامة شيء آخر بالإضافة إلى نفسه هذا ما صرح به {افلوطين} ويقول عنه ارو سطو هو ما ينظم الشهوات . ولو تابعنا البحث عن تحديد خلال التاريخ ، لتأكد لنا أنه ذات تنوع ، وتناقض ظاهر من بين كل ما أنتجه الإنسان يبقى الفن أكثر غموضاَ . ومهام كان تعريفنا للفن فأن أهميته ستظل باقية وليس غريب أن تسمع عن أناس يرون عدم جدوى الفن ، بل الغريب أن يتحدث فنان كبير كالفنان الهولندي الأصل (( موندريان )) عن الفن معتقد ( بأن الواقع سيقوم أكثر فأكثر ، مقام العمل الفني ، الذي لا يعدو الغرض منه إلا أن يكون تعويضاَ عن انعدام التوازن في الواقع الراهن ) إن هذا القول لا أساس له من الصحة إذا ما عرفنا أن روح الفن هو الشعور بالجمال ، و التعبير عنه ، فالإسلام أعظم دين على وجه الخليقة غرس حب الجمال و الشعور به في أعماق كل مسلم ، كما نرى في آيات من القرآن الكريم ما يلفت النظر ، وينبه العقول و القلوب إلى الجمال الخاص لأجزاء الكون ومفرداته التي يراد بها إيقاظ الحس الإنساني حتي يشعر بالجمال الذي أودعه الله فينا وفي الطبيعة من حولنا وأن نملأ عيوننا وقلوبنا من هذه البهجة وهذا الحسن المبثوث ، فهو يحي الشعور بالجمال ويؤيد الفن الجميل ، بحيث يصلح ولا يفسد ويبني ولا يهدم لأنه يتصل بوجدان الشعوب ومشاعرهم ويعمل على تكوين ميولهم وأذواقهم ، فهو كالعلم يمكن أن يستخدم في الخير والبناء ، أو الشر والهدم ، لأن الفن وسيلة إلى مقصد ، فحكمه حكم مقصده ، فأن أستخدم في الحلال فهو حلال ، وإن استخدم في الحرام فهو حرام .
وكان السؤال الأخير إن كان يود إضافة شيئ لحديثة فشكر صحيفة اصداء عكاظ الالكترونية على هذا اللقاء الجميل ليكون مع قراء اصداء عكاظ الالكترونية وشكرنا على اتاحة الفرصة لها ليعرف القراء على رحلته الفنية عبر التاريخ
أجرى اللقاء / سهل مليباري
مدير تحرير صحيفة أصداء عكاظ الإلكترونية بمكة