العلا _ هدى عمر عرفه
صحيفة اصداء عكاظ
تحت رعاية سعادة محافظ العلا المكلف الأستاذ فيصل بن حمد المطيري وبحضور بعض منسوبي الهيئة الملكية لمحافظة العلا ومسؤولي الإدارات الحكومية وقطاعات المجتمع التطوعي ومؤسسات العمل المدني والحضور الجماهيري المعتاد ستقيم اللجنة المنظمة لمهرجان تمور (الشنة والمجلاد) ظهيرة السبت القادم برئاسة رئيس اللجنة الأستاذ عبدالعزيز المورعي فعاليات الموسم الثالث للمهرجان في مزرعة الأستاذ عبدالرحمن المطير صاحب متحف أبو رائد الشهير بمحافظة العلا.
ولهذا الغرض ، وجهت اللجنة المنظمة الدعوة لحضور فعاليات المهرجان المسمى بالشنة والمجلاد.. وهما للتوضيح لمن لايعرفهما ليسا من أنواع التمور بل طريقتان تراثيتان لحشو وكنز التمور.حيث (الشنة) هي القربة المصنوعة من جلود الأغنام و(المجلاد) مايشبه الكيس المجدول والمخيط من سعف النخيل.
بينما يصاحب هذه الفعالية الرئيسة للمهرجان بعض الفعاليات الفرعية المتنوعة التي تمثل بعض أوجه وملامح تراث أهالي العلا وثقافتهم المعيشية في الزمن القديم ورحلاتهم البينية فصلي الشتاء والصيف مابين منازلهم في الدور (البلدة القديمة) وبساتين النخيل المجاورة لها من ناحية الشرق والشمال الشرقي للعلا.
يحتفي أبناء العلا من كل عام في هذا التوقيت تقريبا منذ 3 أعوام بمهرجان مصغر يتم من خلاله اختزال وتفعيل عادة من عادات أهالي العلا وتقليد من تقاليدهم المعيشية لحشو التمور في (الشنة والمجلاد) ليس مظهرا كرنفاليا مترفا من المظاهر الكرنفالية لمجرد تكريس عادة وتصديرها كهوية ثقافية طابعة لمجتمع العلا الريفي الزراعي القديم وحسب.. ولو أن هذا الهدف بمفرده مفخرة ومندوحة وإنما هي:-
أولا: احتفالية شعبوية مجتمعية زاخرة زاهية بقيم تربوية أصيلة مستمدة من موروثات غائرة في الوجدان الجمعي لأهالي العلا..
ويقوم على تنظيمها مجموعة متطوعة من أبناء العلا، وإن حظيت برعاية واهتمام رسميين من قبل محافظ العلا شخصيا وبعض مسؤولي الإدارات الحكومية وبعض منسوبي الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فإنها أيضا محظية بدعم مجتمعي من قبل مؤسسات العمل المدني وباقات من نخب المجتمع المحلي وجموع الجمهور في العلا ممن يتسنى لهم حضور المناسبة النهارية والتحضير لها منذ الصباح الباكر إلى مغرب شمس ذات اليوم.
ثم ثانيا: التمور كمنتج غذائي والنخلة كمصدر طبيعي خلقها الله وخصها ببركات الذكر والثناء في أكثر من موضع قرآني كشاهد على قيمة النخلة وتمورها للإنسان والمكان وارتباطهما بالحياة الآمنة المطمئنة.
وحظيتا في أكثر من استدلال كريم بتجذير قرآني لتاريخ النخلة الضارب في القدم ومنتجها من (طلعها الهضيم) و(رطبها الجني) البائن النفع للإنسان في المأكل والمشرب والملبس والسكن والتداوي وكل ضرورات الحياة إذا ماجاور النخلة وأسبلت عليه من بركاتها بكرم الله وفضله وإن كانت مغروسة مفردة في داره..
حري بها وبتمرها كل الاحتفاء المبارك بمشيئة الله ويليق بالنخلة وتمرها كل تكريس للثقافة الشعبوية المحيطة والملحقة بالنخلة بصفة عامة وتمرها بصفة خاصة ممن جاورهما وتعاقبت سلالته البشرية كابرا عن كابر على الانتفاع بهما وعشقهما وتوريث هذا النفع والعشق لجيل بعد جيل.
كيف لا؟ وعمر النخيل وتمورها في العلا (المكان) مايقارب ال3000 عام على وجه التقريب بالنظر لتاريخ وجود النبي صالح عليه السلام وقومه ثمود الذين قال لهم معاتبا:(أتتركون في ماهاهنا آمنين () في جنات وعيون() وزروع ونخل طلعها هضيم () وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين).
لذلك معايشة وتوارث وتفعيل مثل هذه التقاليد والثقافات الشعبوية النافعة لاستمرار الحياة البشرية وصيرورة الحياة أبعد من مجرد التصور الذهني لإقامة وحضور فعالية مجتمعية احتفائية بشأن من شؤون الحياة المتوارثة المرتبطة بالإنسان ارتباطه بالحياة وعمرها الزمني وأحداثها التي تطوفت بالمخيال الشعبي لآلاف السنين ولكنها عابرة سابرة لحضارات إنسانية متعاقبة ومتغلغلة في المعتقد الديني الإسلامي الحنيف عند إنسان المكان والزمان المسلم المرتكزعلى ماذكره الله في محكم تنزيله وأكد عليه المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).
لذلك العارف بما تعنيه النخلة وتمرها لإنسان العلا تحديدا عبر كل هذا الإرث التاريخي غير المنقطع المتصل زمنيا بين النخلة وتمرها طلعا كان أم رطبا..
سيحرص بكل تأكيد على حضور فعاليات مهرجان (الشنة والمجلاد) وسيخرج كعادته طيلة السنوات الماضية بحصيلة من المتعة الروحية وحزمة من القيم التربوية وبصياغة جديدة لذوقه المتعطش لكل فن من هذا العيار الرفيع ، الباسق كنخيل العلا الباسقات.